انطلقت الهتافات الغاضبة لتحفظ قدرا من ماء وجوهنا المهدرة عجزا، إحساس خانق بالضعف وقلة الحيلة بينما تتراءى مشاهد المجزرة التي إرتكبتها إسرائيل بغزة.. هى بالطبع ليست الأولى ومن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة. فسلسلة الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني لاتتوقف، فى محاولة مستميتة لإبادة أصحاب الأرض والحق.
حرب شرسة لاتعرف الرحمة.. جرائم ومجازر ومذابح، إبادة وتهجير وإستيطان.. نزيف من الانتهاكات لمحو كل ما هو فلسطيني من بشر وحجر وتاريخ وحضارة وثقافة.
جرائم عنصرية لدولة لقيطة لاتتوقف بفجور عن زرع جسدها الغريب المشوه المرفوض وسط وطننا العربى المبتلى بتواطؤ حكامه وضعف شعوبه وأطماع مستعمريه، بالتبعية وفرض الهيمنة والإستقواء والشروط.
واقع مؤلم ومصير بائس آلت إليه أوطاننا العربية.. ضعف وتواطؤ وخنوع وخلافات وتلاسن وحروب دموية وأخرى إعلامية.. تسيل دماء عربية بأيد عربية في معارك يخسر فيها الجميع، بينما يتابعها العدو بعيون شامتة ساخرة وبنفس مطمئنة لنهايتها التي لن تصب إلا في صالحه.
وبين الحين والآخر يطل برأسه الخبيث في محاولة ماكرة لإثبات الوجود أو لعله يعلن بفجاجة عن إنتصاره، ساخرا من هزائم غرمائه التي تتوالى بسقوط وإنهيار أحدهم تلو الآخر.
مابين إحساس الزهو والشماتة والإصطياد في الماء العكر تطل برأسها القذرة، وتمتد أيديها الملطخة لترتكب واحدة من مجازرها المفجعة.
هذا الشهر وبالتحديد يوم 12 نوفمبر الجاري شنت إسرائيل هجوما إرهابيا على غزة .. عشرات الغارات والإعتداءات بالمدفعية إستهدفت السكان العزل.
سقط الضحايا وسالت دماء الجرحى وهدمت عشرات المنازل، تابع الجميع تفاصيل المجزرة الدامية في صمت مخز أو إدانة خجول لاتخرج عن مجرد ذر للرماد في العيون.. بينما اكتفت إسرائيل كعادتها بتبرير جرائمها على أنها رد فعل بعدما إستهدفتها صواريخ حركة الجهاد.. وأغفلت أن ما فعلته الحركة جاء رد فعل لإغتيال أحد قادتها وزوجته على يد طائرات الاحتلال التي إستهدفت منزله بشكل مباشر.
لم تترك بدورها إسرائيل الفرصة دون أن تقوم بواحدة من جرائمها البشعة باستهداف الآمنين. وقبل ساعات من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، شنت الغارات على البيوت وهدمت العشرات، قتلت الأبرياء.. منهم ثمانية أفراد من عائلة واحدة هي عائلة السواركة.. ثمانية أطفال ووالدتهم وعمهم وزوجته وإبنه الصغير، اختطفتهم قذائف المحتل، لتمضى أجسادهم البريئة في نعوشهم الحزينة وسط صرخات ملتاعة لبشاعة النهاية وقهر المحتل الجاثم فوق الصدور.
مشهد لم تهتز له قلوب الحكام فعليها أقفال محكمة بقسوة الإلهاء ولذة المنصب وأبهة الجاه والسلطان .
بينما إنطلقت حناجر الشعوب.. فكان هتافها بالروح بالدم نفديك يا فلسطين.
القضية دائما حاضرة في قلوب الشعوب، فى المظاهرات والميادين والشوارع.. وليس غريبا أن يتردد صداها في استاد القاهرة أثناء المباراة التي أقيمت فيه بين مصر وجنوب أفريقيا. هتفت الجماهير شمال يمين بنكره إسرائيل، بينما رفع أحد الشباب العلم الفلسطيني قبل أن يتم القبض عليه من قبل قوات الأمن!.
رد فعل صادم لصيحة غضب جاءت طبيعية وفى توقيتها، لتخرج قدرا من غضب مكتوم لا أعرف لماذا تم تحجيمها بقسوة؟ هل لأن مصر هي من رعت وقف إطلاق الهدنة بين إسرائيل وحركة الجهاد بعد الهجوم الأخير وما حدث يعد إحراجا لها؟ أم هو الخوف من أن تتسلل السياسة ثانية لمدرجات الملاعب، فيقع إثرها غير المرغوب فيه!! أم هي رسالة قوية تعلن بوضوح عدم السماح بأى محاولة للتضامن أو التعاطف مع القضية الفلسطينية ولو حتى بمجرد رفع العلم!!
تساؤلات مستفزة حائرة يزيد من غموضها أن هتافات مماثلة انطلقت منذ سنوات، وبالتحديد يوم 14 ديسمبر 2017 من جماهير الأهلى أثناء مباراة نهائي الكرة الطائرة سيدات.. هتفت الجماهير بالروح بالدم نفديك يا فلسطين.. بصوت غاضب إحتجاجا على قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية للقدس.. وتكرر نفس الهتاف في مباراة الأهلي وأتلتون مدريد الأسبانى. وقبلها بسنوات أثناء مباراة الأهلي والإتحاد السكندرى إثر مجازر إرتكبتها إسرائيل .
لم تتوقف المجازر ولم تتوقف الإعتداءات ولم يتوقف التواطؤ.. نقلت أمريكا سفارتها للقدس واعترفت بسيادة إسرائيل على الجولان وأعلنت أن المستوطنات الإسرائيلية بالضفة لا تمثل انتهاكا للقانون الدولي!!
ضربات خطيرة مفجعة لم يقابلها سوى صمت رسمي عربى مخز وإدانة خجول وعجز فاضح لا يسمح حتى بهتاف الشعوب تضامنا مع القضية، بعدما كان لوقت قريب يعتبر خروجها ذرا للرماد في العيون وحفظا لماء الوجه، أو ربما كان على الأكثر دقة مجرد وسيلة للتنفيس عن الغضب، بعدها يعود الهدوء بفعل القمع لما هو عليه.
------------------
بقلم: هالة فؤاد